هل أنا فنان!؟

هل أنا فنان؟
ياله من سؤال أزلي مستفز يعرفه كل من يعمل بصدق في حقل الإبداع الفني.
قد يتكرر هذا السؤال يوميا. ربما قبل إنتاج العمل، وربما خلال إنتاج العمل، والأصعب من ذلك كله عندما يلح علينا هذا السؤال هاجسا في ذروة نجاح العمل.
هل أنا فنان؟ هل أنا حقيقي؟ ما الدليل أني فنان؟
هل سأقوم بإبداع عمل جديد؟ هل عملي بنفس سوية عمل غيري من المرموقين؟
هل عملي فعلا يستحق التقدير؟
الكثير من هذه الأسئلة والشكوك تنتاب الفنان وتتناوب كأشواك تعكر فكره ونفسه قبل وخلال وبعد العملية الإبداعية لتصبح في بعض الأحيانا نوعا من الهواجس المرهقة المستمرة.
بعض الفنانين يعتاد تلك الشكوك.. ويكتشف الطرق المناسبة لتقبلها بل وحتى تكييفها كي تصبح حافزا جديدا لإبداع جديد.
وبعضهم الآخر قد يستسلم لها تباعا فتصبح معطلا عن الإبداع، أو في أحسن الأحوال إرهاقا وحزنا وخوفا دفينا مستمرا.

هل يصبح الشك صديقا للفنان!؟

الخبر السيء: من المهم أن ندرك أن تلك الشكوك لن تزول تقريبا من نفس الفنان.
الخبر الجيد: من الممكن السيطرة على تلك الشكوك واستخدامها لصالح الفنان وإبداعه الفني.
إن عدم الأمان مما يتوقع إنتاجه (من الأفكار الإبداعية) قد يصبح مفتاحا من مفاتيح الإنتاج الإبداعي في حال تم تحويل الشك تباعا وبالتدريب لدافع بدل أن يكون مانعا. ويحدث ذلك عندما تتم موازنة هذا الشك مع ركائز نفسية أساسية يتم بناؤها في النفس تدريجيا مثل: الشجاعة.. مصالحة النفس.. التعمق الفني.. التطور المهني.. وبذل أقصى ما يمكن بذله في العملية الإبداعية.
ولذلك إن كنت فنانا فعلا: فالشك هو جزء من العملية الفنية.. والاستمرار هو الحل.

حتى هم انتابهم القلق!؟

 

نعم. حتى الأسماء اللامعة المشهورة في عالم الفن عانوا من هواجس الشك والتخوف. ولنعرض بعض الأمثلة:

_ مايكل أنجلو Michelangelo 

شكك مايكل أنجلو الفنان الشهير في قدراته قبل أن يرسم لوحته الجدارية المعروفة في كنيسة سيستين.
في أوائل القرن السادس عشر طلب البابا يوليوس الثاني أنجلو أن يرسم سقف كنيسة سيستين في الفاتيكان. لكن أنجلو رفض ذلك متخوفا من قدراته في الرسم وإنجاز العمل: قائلاً إنه نحات وليس رساماً.
في نهاية المطاف وافق أنجلو وقضى أربع سنوات في رسم الجدارية.. وأنتج رائعة من روائع الرسم في العالم.

_ ليوناردو دافنشي Leonardo da Vinci

ليوناردو دافنشي واجه نفس المشكلة.. هواجس الشك.
قد ذكرت مجلة نيويوركر في مقال أن دافنشي مثلنا جميعا عانى من مشاكل الشك والتقدير الذاتي. وقد كان معروفًا بالتخلي عن بعض اللوحات التي عمل عليها وعدم إكمالها “ربما لشكه بنتائجها المتوقعة أو لهواجس الكمال في العمل التي تنتابه”.
ويذكر بأنه كان قاسيًا جدًا على نفسه. يقول في إحدى صفحات مذكراته:

“أخبرني إذا كنتُ قد أنجزتُ شيئًا ما”.

La Battaglia di Anghiari di Leonardo

_ فنسنت فان غوخ  Vincent van Gogh

لا تخفى على أحد قصة الفنان فان غوخ الذي سبق عصره وتفاصيل معاناته المرهقة من الحساسية المفرطة
والشك الذاتي بأقصى درجاته..
وقد استمر برحلته الفنية وبإنتاج اللوحات بالرغم من ألمه النفسي حتى وفاته..
قال فان غوخ:

“إذا سمعت صوتًا بداخلك يقول أنك لا تستطيع الرسم.. فلا شك أن ذلك سيتحقق. بكل الأحوال قم بالرسم.. وسيتم إسكات هذا الصوت.”

_ المؤلف جون ستينبيك John Steinbeck

 شعر ستينبيك الكاتب الأمريكي الحائز على جائزة نوبل للآداب وكأنه محتال بسبب التقدير والاحتفاء الذي تلقاه على عمله.. وقد صرح بذلك في مقال في مجلة عام 1938
حيث قال:

“أنا لست كاتبًا.
لقد كنت أخدع نفسي وأخدع الآخرين”.

_ بول كلي Paul Klee

استمر الرسام التجريدي المعروف بول كلي بالبحث عن نفسه كفنان، وبقي طويلا في شكه للدرجة التي اعترف بها لنفسه في مذكراته بأنه لا يجيد الرسم إطلاقا.

“خلال العام الثالث أدركت أنني ربما لن أتعلم الرسم أبدًا.”

 _ سيزان Paul Cézanne

رغم اعتباره من أكثر الفنانين شهرة وانتشارا حول العالم إلا أن بول سيزان كان في عصره منبوذًا لا يستطيع بيع صورة واحدة.
لم يفهم العالم فن سيزان في وقته _ مثل فان غوخ_.

لم يكن سيزان يعتقد بأنه سيحقق أي شيء كرسام، لكن الفن كان وسيلته للتعبير عن نفسه.. ولذلك استمر.

 

“أستطيع أن أرسم لمدة ألف عام دون توقف، وسأظل أشعر وكأنني لا أعرف شيئًا.”

10 خطوات لتحويل مسار القلق الفني

1 _ تذكر أنك قد اخترت الحقل الإبداعي لأنك شغوف بهذا المجال، ولأنك تشعر بالسعادة والرضا عندما تعبر عن نفسك فنيا وإبداعيا.
2_ تذكر أن الشك (قلقك الفني) هو حالة طبيعية وعامة في حياة أي فنان. لست وحدك في هذا الأمر.

“الشك في الذات هو شيء كان معي منذ البداية ولم يتركني أبدًا. هذا الخوف ليس شيئًا تعلمت إسكاته، ولكن بدلاً من ذلك سمحت لرغبتي بأن تكون أعلى. إن شكوكي بنفسي تزعجني دائمًا، وتجعلني أتساءل عما إذا كان فني سيكون جيدًا بما فيه الكفاية. ما إذا كنت سأبيع قطعة أخرى.” النحات Dan Nguyen

3 _ واجه مخاوفك من خلال تفنيد الأمر بهدوء عن طريق الكتابة والحوار الذاتي.
ناقش خوفك داخل نفسك بشكل وافٍ.. حاول أن تحاورها كما تحاور صديقا يشعر بالضيق:
هل خوفك تشكل نتيجة انتهائك من مشروع قد تم بالفعل أم نتيجة الترقب من مشروع جديد؟
هل أنت متخوف من ستايل جديد لم تعمل عليه من قبل؟ أم أن الموضوع جديد تماما وخارج ال Comfort zone؟
هل تخشى حجم العمل وضيق الوقت؟
هل تتخوف من عدم استقبال فكرتك الفنية بشكل صحيح من قبل الجمهور؟
هل تخشى مقارنتك بفنانين آخرين؟
هل تخشى من نفسك وعدم التزامك بالمشروع نفسه؟ هل تخشى العائد المادي والجانب العملي؟.. الخ

“بالنسبة للفنانين، غالبًا ما يأتي الشك الذاتي بأن تخبر نفسك أنك لست جيدًا بما فيه الكفاية، أو أنك لن تكون أبدًا جيدًا مثل الفنانين الذين تتطلع إليهم.. لكننا لسنا بحاجة لأن نكون جيدين مثلهم. علينا فقط أن نكون أفضل مما كنا عليه بالأمس.”
الرسامة  Magda Górska

4_ حاول أن تضع الحلول المناسبة بعد تحديد نوع الخوف.. وحاول أن تكون واقعيا ولا تلزم نفسك بأهداف ضخمة.

“لكنني استخدمت كل هذه الشكوك وحولتها إلى وقود للارتقاء بمهنتي. تذكري لكل احتمالات الفشل يجعلني أرغب في عدم الفشل أكثر. ولذلك أضع كل ذرة من طاقتي في عملي.”
Dan Nguyen

5_ صالح نفسك مهما كانت النتائج.. وابتعد عن جلد النفس واتهامها.

“لقد وجدت طرقًا لإسكات الشك الذاتي من خلال العيش في اللحظة الحاضرة وفهم أن ما يهم هو الرحلة وليس النتيجة النهائية.. في النهاية، كل الفنانين لديهم شك في أنفسهم. وهذا لا يتغير مهما ارتقيت في سلم الفن.”
النحاتة Barbara Ségal

6_ طور نفسك بشكل مستمر عن طريق تعميق الثقافة الفنية والعمل على إتقان أداة الفن التي تستخدمها (رسم تكنيك ديجيتال.. الخ).

“كفنان، أشعر بالشك في نفسي في كل مرة أمسك فيها فرشاة الرسم، الجانب الأكثر رعبًا في الأمر هو أن هذ الشكل من صنع النفس تماما؛ أنا هو العائق الوحيد الذي يقف في طريق ما أقوم بابتكاره وإبداعه.
ونصيحتي هي: جرب الشيء الذي تخاف أن تفعله. لا بأس إذا أخطأت ولم تكن النتائج كما تحب، يمكنك دوما تطوير النتائج أو البدء من جديد والمحاولة مرة أخرى. الشك الذاتي هو مجرد جزء مزعج من عملية التطور”
الرسام Alexis Cortez

7_ حاول إن أمكن التحدث مع صديق صدوق يدعم عملك ويقدم لك الرؤية النقدية اللطيفة الأولى. (دون تكسير مآديف).

“أشعر بالشك في نفسي طوال الوقت، وهذا ليس بالأمر السيئ دائمًا. من الصحي أن تنتقد نفسك في بعض الأحيان. ولكن تظهر المشكلة عندما يمنعك ذلك من العمل ويمنعك من الإبداع “.
الفنان الأسترالي Fintan Magee

8_ استمر بالعمل مهما كانت الهواجس.

“أجد أن أفضل طريقة للتعامل مع الشك الذاتي كفنان هي الاستمرار في الإبداع”
الفنان الكولومبي
Carlos Delgado

9_ كافئ نفسك عند إنجاز العمل قبل أن يحكم عليه الآخرون. أنت فقط تعرف كم بذلت من مجهود كي تنجز هذا العمل.

10_ تذكر ليس هناك عمل إبداعي كامل. لا يوجد كمال مطلق بيد الإنسان ولذلك سامح نفسك إن شعرت بعد انتهاء العمل وتسليمه بوجود نقص ما سواء نقص خبرة أو نقص السهو.. أنت إنسان.. من الطبيعي وجود نقص ما في عملك.. والمهم أن تتلافى هذا النقص في أعمالك القادمة وأن تستمر ملتفتا للعمل الجديد.

..

بقلم محمد الحموي