المثلث الأحمر ∇

حيث يصبح التجريد ملاذا.. وتعبيرا.. وبصمة فوق عار التاريخ.

الفن هو إنتاج للواقع الاجتماعي الذي ينتجه.
يرتبط الفن ارتباطا وثيقا بمجتمعه ومحيطه وقضايا الفنان الشخصية التي يعايشها ضمن ظروف الفترة التي أنتج فيها فنه.
وإذ يسير الفن أحيانا بعيدا عن واقعه فيشرد حتى ينسلخ من قضاياه، قد يصبح عبثا أو عبئا أو مجرد مادة رغوية ملونة تشبه الزبد المتراكم فوق البحر بلا فائدة مرجوة.. فيخرج الفن حتى من نطاقه الفني ويصبح مجرد تجميل بلاستيكي لا أكثر.
ولا أقول أن الفنان ملزم دوما بالتعبير عن الواقع أو الجماعة أو مشاكل الجمهور.. إنما أؤمن بأن الفنان الحقيقي ربما لن يستطيع تجاوز القضايا الكارثية الضخمة التي تتجسد فيها آلام الإنسانية وأوجاعها بطريقة مفجعة.. دون أن يكون له في تلك القضايا بصمة فنية تجسد صوته وتصريحه أو على الأقل تأثره فيما يجري.

منذ بداية الأحداث المحزنة التي حدثت في غزة (ولازالت) بدأت تتوالى الأعمال الفنية المعبرة عن حقيقة الواقع.. وظهر جليا اندفاع الكثير من الفنانين للتعبير عن أنفسهم وآرائهم المواكبة لما نراه يوميا من أحزان ومآسٍ ترافق انهيار المعايير الأممية والإحباط الإنساني العام.

أعمال متعددة رافقت ولازالت ترافق هذه المرحلة المؤلمة.. أعمال عفوية تحاول إما رصد القصة وروايتها للعالم.. أو كشف المستور مما يتم توريته بشكل دائم.. أو الصراخ الفني الحزين تعبيرا عم يجول ويعتمل في نفوس العامة من حزن أو تعاطف أو دعوات للمقاطعة أو إحباط أو حتى أمل.
أعمال بصرية بوسائل فنية مختلفة: من الرسم الحرو إليستريشن إلى الرسم الالكتروني إلى خط العربي وصولا إلى النحت.

………………….

المثلث الأحمر / قطعة البطيخ

ولم يكن مفاجئا ما واجه تلك الأعمال من تحجيم هائل مارسته مواقع التواصل لتفرض قيودا بصرية ولغوية على نشر المشتركين عامة والفنانين المؤثرين خاصة للمواد التي تدعم غزة وفلسطين..
حيث تم وأد الكثير من المنشورات الفنية يوميا في محارق الخوارزميات المعدة لتبتلع كل حقيقة لا يراد لها الانتشار.

ولكن.. لابد للبصيرة الإنسانية من اختراع فجوات أو نقاط عماء تمهد للتغلب على هذا التعالي.. وتسعى لإيصال الرسالة بفيضان جارف يغطي وسائل التواصل وخوارزمياتها الركيكة..
وإذ ذلك كان أن ظهر المثلث الأحمر كمثال تجريدي حي يكشف رأي الأعداد الهائلة من البشر في جميع أنحاء العالم لمناصرة القضية.
فتم تجريد العلم الفلسطيني الذي يتعرض للتحجيم والمحاصرة على وسائل التواصل ليصبح مجرد مثلث أحمر رأسه للأسفل يختزن بشكل مكثف عالي الوتيرة كل معاني البقاء والمواجهة..
ومن نفس العلم تم اختزال المنظومة اللونية بقطعة البطيخ الأحمر التي تحمل ألوان العلم الفلسطيني.. دون أن تستطيع الخوارزميات صد هذ التجريد باتساع نطاقه وانتشاره فوق رقع الجغرافية الأرضية.

Elma Beatriz Rosado

من الأعمال الملفتة أيضا في هذا المجال موقع تم إنشاؤه بإشراف إيلما بياتريس روسادو: مؤرخة، ناشطة حقوقية وصحافية مستقلة من بورتريكو.. قامت وزملاؤها بالتعاون مع مجموعة من الصحافيين والمصورين والرسامين حول العالم.. بصدد صنع محتوى لدعم أهل غزة يتم بثه من خلال موقع مستقل وتواجد على منصات مواقع التواصل:
https://inaruhx.com

شرفاء..من أقصى بقاع الأرض لم يستطيعوا احتمال ما يحدث.. فحاولوا وما زالوا يحاولون. وقد تشرفت _مع كامل الحزن_ بمشاركة “إيلما” وزملائها بلوحتين في الفيديو المرفق. الفيديو محزن للغاية.. لكنه يكشف للعالم ما حدث ويحدث حتى هذه اللحظة بحق أهلنا وأحبابنا: VIDEO

..

بقلم محمد الحموي