لوحة ابن الإنسان

للرسام رينيه مغريت René Magritte
١١٦ × ٨٩ سنتيمترًا
زيت على قماش
1964

وصف اللوحة:

 تجسد اللوحة ببساطة رجلا يرتدي معطفًا وقبعة مستديرة يقف أمام جدار قصير خلفه بحر وسماء ملبدة بالغيوم وذراعه اليسرى تنحني للخلف عند الكوع.
يختفي وجه الرجل وراء تفاحة خضراء عائمة لوحدها في الهواء. ولكن يمكننا مع ذلك رؤية عيني الرجل تظهران من خلف حافة التفاحة.

تندمج الألوان في الخلفية ما بين الأزرق والرمادي، وهي ألوان توحي قليلا بالبرودة، مما يمنح اللوحة أجواءً قد تبدو كئيبة. وفيها إشارة إلى يوم غائم، حيث لا يكاد يكون هناك أي إشارة لضوء الشمس، ويبدو أنها قد تمطر في أي لحظة.

الرجل ذو القبعة في اللوحة يرتدي بدلة رمادية تنسجم مع درجات اللون الرمادي خلفه وتعطي طابعا من الجدية.
اللونان الوحيدان اللذان يحملان ثقلا بصريا لونيا معاكسا لامتداد الرماديات في اللوحة يظهران في ربطة العنق الحمراء والتفاحة الخضراء.

ما هي قصة اللوحة؟

لوحة ابن الإنسان هي في الأصل فكرة بورتريه أو صورة شخصية للفنان نفسه. تم تكليفه بها من قبل صديقه ومحاميه هاري تورزينر Harry Torczyner. حيث كان الاثنان يكتبان الرسائل لبعضهما البعض بانتظام.

في إحدى هذه المراسلات بينهما يوجد رسالة عام 1963 بتاريخ 28 يونيو حيث طلب تورزينر صورة ذاتية من مغريت،  إلا أن الأخير كانت لديه بعض المخاوف بشأن هذا الطلب.. وشعر أنه في قد يواجه مشكلة لم يكن متأكدًا تماما من كيفية حلها ربما تتعلق بكيفية وعيه لذاته وبالتالي طريقة تصويره لنفسه.

أوضح مخاوفه تلك في رسالة رد بها على صديقه قائلًا فيها أنه قد قام برسم نفسه ثلاث مرات وأن نيته كانت دوما “رسم لوحة وليس رسم صورة شخصية”.

ويتابع: “أنا قادر على رسم بعض اللوحات على هذا النحو، ولكن إن كان موضوع اللوحة هو أنا، أي مظهري المرئي، فإن هذا يثير مشكلة لست متأكدًا من قدرتي على حلها “.

يبدو أن مغريت أخيرا وجد الحل لتلك المشكلة بوضع التفاحة لتخفي الوجه ولتخلق وعيا آخر بشأن ما تخفيه.

التفاحة والقبعة!

صارت التفاحة هي نوع من السمة المكررة في أعمال مغريت والمفتاح التعريفي للوحاته. والقبعة أيضا من تلك السمات.
وعلى ما يبدو فقد كان الفنان نفسه يرتدي في حياته الواقعية قبعات وبدلات متشابهة، وقد أوضح في إحدى مقابلاته:

“إن قبعة من هذا النوع تمثل غطاء مزيفا للرأس: ولا تثير الدهشة أو تلفت الأنظار. أنا شخصيا أرتديها. وأنا لست حريصًا على تفرد نفسي. إن كنت أرغب في خلق إحساس بالتفرد في الشارع فسأرتدي شيئا يوحي ذلك. لكنني لا أريد ذلك “.

معنى ابن الإنسان:

من الممكن أن يكون المعنى فعليا للعناصر الغامضة في اللوحة أنه لا يوجد معنى. أي أنها مجرد فكرة تضاف إلى اللوحة ويترك الفنان الأمر لنا تقرير ما يجب أن تعنيه.

هناك مجموعة متنوعة من التفسيرات تحاول الكشف عن معنى ابن الإنسان: البعض يشير إلى الدين، والبعض الآخر يشير إلى التماشي مع المجتمع مع إخفاء الهوية الحقيقية، وكما يشرح مغريت نفسه: الصراع القائم بين الجوانب المرئية والمخفية.

يُذكر أن مغريت قد صرح بأنه لم يكن في نيته أي معنى ديني للموضوع.. وخاصة التفاحة وما ترمز إليه من معاني الإغواء المذكورة في أسفار العهد القديم.

حيث أوضح الفنان بأن التفاحة هي “شيء مألوف ويومي” يستخدم في لوحاته ببساطة مما يثير على الفور “طرح الأسئلة” لأن فهمنا العادي أو اليومي لها كتفاحة قد تغير و”تم استحضار معانيها الغامضة” من خلال طريقة استخدامها الغريبة في اللوحة.

ونستطيع فهم الجملة السابقة من خلال شرح مغريت نفسه باستفاضة أكثر عن اللوحة:

“على الأقل يختفي الوجه جزئيًا. ولكن تبقى لديك أطراف الوجه ظاهرة. التفاحة التي تخفي ما هو مرئي ولكن مخفي (وهو وجه الشخص.) إنه شيء يحدث بشكل دائم من حولنا. كل ما نراه واقعيا يخفي شيئًا آخر، ولدينا اهتمام دائم في كشف ما هو مخفي عن رؤيتنا. يمكن أن يتوسع هذا الاهتمام ليشكل هاجسا قويا، أو نوعا من الصراع ما بين المرئي والمرئي المخفي “.

…….

رينيه ماغريت رسام سريالي ولد في بلجيكا / نوفمبر 1898.

درس ماغريت في أكاديمية الفنون الجميلة في بروكسل خلال الفترة من 1916 إلى 1918. وانتقل إلى باريس في عام 1927 وتعرف على الرسام السريالي أندريه بريتون الذي أثر على أسلوبه الفني.
عُرف ماغريت بأنه رسم بالأسلوب الانطباعي ثم انتقل إلى التكعيبية. وطور أسلوبه تدريجياً نحو السريالية.
كان أحد أهدافه الأساسية للرسم هو التشكيك في الواقع. وقد ترك لوحاته مفتوحة دوما لتأويل المشاهدين للتفكير والاطلاع على ما يُرى وما لا يُرى.
توفي بالسرطان عام 1967 عندما كان عمره 86 عاما.

..

..

بقلم محمد الحموي