للشعوب والتجمعات الإنسانية طرق وأحوال مختلفة في فهم مكنون الألوان والتفاعل معها..
وذلك بحسب خبراتها الطبيعية والتاريخية والاجتماعية المكررة في استخدامها اليومي لتلك الألوان.

فمثلا في مجتمع يتم استخدام اللون الأخضر في مدارسه كمصحح دائم للخطأ قد يكون واحد من انطباعات هذا اللون عند أفراد هذا المجتمع أنه إنذار بخطأ أو دليل على وجود مشكلة ما.
(طبعا إن تمت الصياغة الشكلية للون الأخضر بطريقة معينة تقارب طريقة استخدامه كمصحح).

وذلك على الرغم من أن الانطباع العام للون الأخضر هو لون سلام وراحة واسترخاء وتعافي وذلك تبعا لملاحظة أثر هذا اللون في الطبيعة على النفس البشرية من خلال وجوده وامتداده من حولنا عبر المساحات الخضراء والزرع والأشجار.

أذكر أني قرأت قصة صغيرة توضيحية في كتاب يدعى (مائة معلومة على المصمم معرفتها حول الناس) تتحدث عن شخص يشرح لأعضاء مجلس الإدارة في شركته التقييم الربعي لأحوال الشركة في كافة الفروع.. وكان قد أعطى كل فرع من الفروع على الخريطة لونا مختلفا عن الآخر خلال عرض التقييم بالصور. (برزنتيشن).

وبعد انتهائه من العرض الكلي..
_ سأله محاسب في القسم المالي: ما هي إذن مشكلة الفرع الغربي؟

_ أجاب المدير: لا توجد مشكلة أبدا.. الفرع الغربي حقق أرباحا ممتازة.

_ فسأله الرجل مرة أخرى: ولكن لماذا وضعت اسم الفرع بالأحمر؟))

للألوان إذن انطباعات عامة بحسب وجودها الطبيعي في البيئة الطبيعية، وانطباعات اجتماعية بحسب استخدامها الاجتماعي في الخبرة الجمعية وطريقة توظيف اللون والشكل المحدد له..
فاللون الأحمر مثلا (في مثالنا السابق) هو دليل إنذار عند المحاسبين الماليين في بعض الناطق.. وقد تم استخدامه بشكل أو طريقة تعزز المفهوم المسبق له.. فوقع في نفس المحاسب كإنذار.

هناك دراسات كثيرة حول معاني الألوان وانطباعاتها.. وقد تم تشكيل عدة أنماط من العجلات اللونية وما تعنيه.. سواء كمعلومات موجزة مقتصرة على معان مبسطة (حاسمة وغير دقيقة) مثل الأزرق يعني الثقة والأسود يعني القوة.. أو كمعلومات مفصلة تفرز الألوان بحسب الانعكاس الطبيعي لها وفقا لوجودها في الطبيعة (الأزرق لون السماء والأخضر لون الزرع وهكذا..) أو بحسب الانعاكس الاجتماعي لها وفقا لتغير انطباعاتها بحسب بلدان العالم
(مثل أن الهند تعتبر الأحمر لون الحياة وبعض دول أفريقيا مثلا تعتبره لون الموت..)

ما يهم المصمم تحديده في هذا الأمر عند البدء بتصميمه هو دافعه الشخصي أو السبب وراء اختياره لألوان التصميم.. وفي الوقت نفسه طريقة توظيف تلك الألوان بشكل معين لا يتعارض مع هدفه وأيضا لا يتفق مع معنى اجتماعي قد يشوش هدفه باستخدام اللون ويحوله عن مراده.
…….

معنى هذا أن على المصمم أن يكون على دراية تامة بأربعة عوامل _برأينا_ هي الأساس بتحديد وتوظيف لونه المستخدَم:

1- انطباعات الألوان بشكل عام.
(وهي النقطة الوحيدة من النقاط الأربع التي قد يراعيها المصمم في عالمنا العربي _إلا ما ندر_ ولكن غالبا ستكون مراعاته تلك وفقا للمعلومات الموجزة فقط التي وصفناها بعدم الدقة أزرق = ثقة / أسود = قوة .. الخ، دون التمحيص بالمعاني الطبيعية للون وطبيعة تواجده في الطبيعة).

2- الشريحة المستهدفة من التصميم وانطباعات الألوان لديها بشكل خاص.

3- طريقة توظيف اللون سواء لتعزيز الانطباع أو لعكس مفعوله (كسر القاعدة).

4- التناغم اللوني بين اللون الأساسي والألوان المساعدة بما يحقق الرؤية الفنية الجمالية.

..

ولنأخذ مثالا عمليا كي نستطيع الإحاطة أكثر بالنقاط الأربع:

لو أني اخترت مثلا أن أستخدم اللون الذهبي في تصميم ما..

فوفق النقطة الأولى: هدفي من استخدامه هو الدلالة على تفخيم المنتج وهو أمر يسير مع انطباعات اللون الذهبي الموجزة بشكل عام.. (الذهب معدن غالي الثمن).

ووفق النقطة الثانية: أن أستخدم هذا اللون للتفخيم.. في الوقت الذي تكون فيه الشريحة المستهدفة هي الأطفال.. أمر فيه إشكالية كبيرة لأن الأطفال لا يدركون معنى التفخيم في اللون الذهبي كشريحة اجتماعية.

ووفق النقطة الثالثة: إن أردت المحافظة على اللون الذهبي فيجب أن أخرج من هذه الإشكالية بأن أوظف اللون الذهبي كلون ساطع ملفت للطفل بحيث أخرج به من انطباعات الذهبي الموجزة وأدخل به في حيز اللون الصرف الملفت فقط وهو كسر للقاعدة ( هذا إن سلمنا أن اللون الذهبي هو لون التفخيم).

ووفق النقطة الرابعة: يجب أن أختار منظومة لونية تتناسب وتتناغم مع اللون الذهبي.. ولا تتنافر معه أو تحقق معه ثقلا لونيا وازدحاما وصراعا بصريا.

..

إن الخوض في النقاط الأربع السابقة ودراستها بفهم وتأنٍ يجعلنا ندرك أن استخدام الألوان في عالم التصميم لا يخضع لقوانين ثابتة نهائية ولا لوصفات سحرية.. بل هي معادلة فكرية ذوقية خاضعة لفكر المصمم وفنه وجرأته وفهمه لطبيعة تصميمه وطبيعة الجمهور الذي سيستقبله..

أي هي مزيج معقد يتم استيعابه بالتدريج والتدريب والاختبار والتجربة المتكررة والجمع ما بين الألوان في المنظومات اللونية الثنائية والثلاثية والرباعية، وصولا لفهم الانطباعات المختلفة ومقارنتها مع بعضها وهذا هو ما يبني عبر الوقت الخبرة الصحيحة باختيار الألوان.. ومن المستحيل بتر هذا الموضوع بصفات موجزة بسيطة تجعل من عالم التصميم عالما متشابها خاليا من التمايز والتميز الشخصي..  يحصر اللون بقيمة معنوية واحدة ويبرمج عقل المصمم بوصفات سحرية جاهزة للألوان.

بقلم: محمد الحموي